الخميس، 28 يونيو 2012

رجل ألجأه الخوف إلى بئر

رجل ألجأه الخوف إلى بئر


قال بيدبا الحكيم لدبشليم الملك:

لما فكرت في أمر الدنيا وعلمت أن الإنسان هو أشرف الخلق وأفضله فيها، ثم نظرت فإذا هو لا يمنعه عن ممارسة الفضائل وفعل الخير وكسب اللذائذ الروحية السامية إلا لذةٌ حقيرةٌ يسيرةٌ من المشرب والمطعم والشم والنظر والسمع واللمس، لعله يصيب منه نفعاً طفيفاً لا يوصف، سريعٌ انقطاعه وامتحاقه وزواله. فالتمست له مثلاً فإذا مثله مثل رجل ألجأه الخوف إلى بئر تدلى فيها وتعلق بغصنين نابتين على شفرها فوقع رجلاه على شيءٍ عمدهما فنظر فإذا هو بأربع أفاعٍ قد أطلعن رؤوسهن من أجحرتهن. ونظر إلى أسفلها فإذا هو بتنينٍ فاغرٍ فاه نحوه. ورفع بصره إلى الغصنين فإذا في أصولهما جرذٌ أبيض وجرذٌ أسود يقرضانهما دائبين لا يفتران.



فبينما هو على ذلك يهتم بالحيلة لنفسه يريد النجاة إذ نظر فإذا قريبٌ منه خليةُ نحلٍ فيها شيءٌ من العسل، فأخذ يلعق من ذلك العسل متلذذاً وينشغل بحلاوته عن التفكير في ورطته، ونسي الحيات الأربع التي رجلاه عليها ولا يدري متى يثرن به، ولم يذكر أن الجرذين دائبان  في قطع الغصنين، وأنهما إذا قطعاهما وقع في فم التنين فهلك. فلم يزل ساهياً لاهياً حتى هلك.

فشبهت البئر بالدنيا المملوءة آفاتٍ وشروراً ومخاوف ومتالف، والعسل هذه الحلاوة القليلة التي يصيبها الإنسان من متع الدنيا الفانية الزائلة فتشغله عن نفسه، وتلهيه عن الأعمال الصالحة التي تضمن له سعادة الآخرة الباقية.

قال بيدبا الحكيم لدبشليم الملك:

ليس ينبغي للعاقل أن يغتر بصلح العدو ومصاحبته، فإنه يكون كذلك الرجل الذي كان مسافراً ماشياً في الريف، في يومٍ شتائي شديد البرد، فوجد حيةً وقد أصابها البرد فتيبست شبه ميتة، فعطف عليها فدسها في كمه.

فلما دفئ النهار عليها ووجدت سخونة الثياب تحركت فنهشته. فقال لها: أهذي مكافأتي على جميل فعلي بك وصنيعي إليك؟". فقالت له: "هذا لي دأبٌ وعادةٌ وخلقٌ وطباع. وأحمق الناس من يظن أنه قادرٌ على أن يزيل الشيء عن أصله وطباعه إلى طبيعةٍ أخرى


0 التعليقات:

إرسال تعليق